سمعت الطفل يبكي ورأيت العبرات تتحدر على وجنتيه الوريدتين, فكانت تلك الآلي الذائبة جمرات نار تكويني.
ظل الطفل يبكي ودلائل العجز واليأس بادية على محياه الوسيم, ظل يبكي بكاء متروك منفرد لا يحبه في الدنيا أحد.
الطفل الحبيب يبكي فكيف أعيد التالق إلى عينيه؟ كيف أسمع في ضحكته صدى أصوات الملائكة؟
فدنوت منه متوسلة, وضممته إلي بذراعي التي لم تضم يوما أخا أو أختا صغيرة, وأجلسته على ركبتي حيث لا يجلس سوى أطفال الغرباء, ورفعت عقارب شعره عن جبهته الطاهرة بيد ترتجف كأنما تلمس شيئا مقدسا.
ثم وضعت على تلك الجبهة شفتى ساكبة في قبلة كل ما يحوم في جناني من شفقة وانعطاف, ترى من ذا ينبه الانعطاف والشفقة بمقدار ما يفعل الطفل الباكي؟
صمت الطفل حائرا لأنه شعر بأن روحا تناجي روحه. صمت هنيهة, ثم عاد فحدق فيّ بعينين ملؤهما الحزن والتعنيف معا.
أتعرفون كيف تحزن عيون الأطفال؟ أتعلمون كيف تعنف أحداق الصبيان؟
حدق فيّ سائلا عن أعز عزيز لديه, وقال بصوت هادئ كأصوات الحكماء: ماما, ماما.
صغيرك يناديك, فلماذا لا تجيبين, يا أم الصغير؟ لست بالعليلة لأني رأيتك منذ حين تميسين بقدك تحت قبعتك, والجواهر تطوق العنق منك, أنت صحيحة الجسم. فلماذا لا تسرعين؟ ألا تحرقك دموع الكفل لا ترين؟ ألا يوجعك الشهيق الذي لا تسمعين؟
عودي من مزهاتك الطويلة وزياراتك العديدة وأحاديثك السخيفة, عودي واركعي أمام الصغير واستميحيه عفوا.
لقد خلقت امرأة قبل أن تكوني حسناء, وكيفتك الطبيعة أما قبل أن يجعلك الاجتماع زائرة.
تعالي واسجدي أمام السري, سرير الصغير.
اسجدي أمام هذا المهد الذي لعبت بين ستائره طفلة, وحلمت به فتاة, وانتظرته زوجة, فما خجلت أن تهميله أما. اسجدي أمام المهد, وأن المهد محجتك القصوى.
اسجدي أمام السرير. ولا تدعى رب السرير يبكي لئلا تملأ قلبه مرارة الوحدة, حتى اذا شب رجلا تحولت المرارة كرها وصرامة.
اسجدي أمام السرير, وناغي الصغير. إن دموع الاطفال لأشد ايلاما من دموع الرجال
مي زيادة
( ظلمات واشعة)